شركة NVIDIA تطلق NitroGen: نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر قادر على اللعب
أعلنت شركة NVIDIA عن تقديم نموذج ذكاء اصطناعي جديد يحمل اسم NitroGen، وهو نظام متقدم مصمم للتعامل مع عدد كبير من ألعاب الفيديو دون الحاجة إلى تدريب منفصل لكل لعبة على حدة. يأتي هذا الإعلان في إطار أبحاث الشركة المستمرة لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على التعميم، أي الانتقال من بيئة إلى أخرى وفهم مهام جديدة اعتمادًا على المعرفة المكتسبة سابقًا، بدل الاعتماد على التدريب الضيق المخصص لمهمة واحدة فقط.
يمثل NitroGen نقلة نوعية في طريقة تعامل الذكاء الاصطناعي مع الألعاب الرقمية. فبدلًا من الأساليب التقليدية التي تعتمد على التعلم المعزز باستخدام قواعد داخلية للعبة أو مكافآت محددة مسبقًا، يعتمد هذا النموذج على التعلم من خلال الملاحظة. أي أنه يشاهد مقاطع لعب حقيقية للاعبين البشر، ثم يحاول تقليد قراراتهم وأفعالهم بناءً على ما يظهر على الشاشة فقط، تمامًا كما يفعل الإنسان عندما يتعلم لعبة جديدة من خلال المشاهدة.
يعتمد NitroGen على مفهوم يُعرف باسم “نموذج الرؤية واتخاذ القرار”، حيث يستقبل النظام مدخلات بصرية مباشرة من اللعبة، مثل الإطارات المعروضة على الشاشة، ويحوّلها إلى أوامر تحكم مثل الحركة أو القفز أو التفاعل مع العناصر داخل اللعبة. هذه المقاربة تميّزه عن نماذج سابقة كانت تحتاج إلى الوصول إلى بيانات داخلية من محرك اللعبة، وهو أمر غير متاح في معظم الألعاب التجارية.
أحد أبرز عناصر قوة NitroGen هو حجم البيانات التي تم تدريبه عليها. فقد استخدم الباحثون عشرات الآلاف من الساعات من مقاطع اللعب المسجلة لألعاب مختلفة، تغطي عددًا كبيرًا من الأنواع والأساليب والبيئات. هذه المقاطع تم جمعها من جلسات لعب حقيقية، ما يعني أن النموذج تعلّم من استراتيجيات بشرية متنوعة، تتراوح بين اللعب الاحترافي واللعب العادي، وبين أساليب هجومية ودفاعية وحلول مبتكرة للمشكلات داخل الألعاب.
لا يقتصر تميّز NitroGen على حجم البيانات فقط، بل يشمل أيضًا طريقة استخراج أوامر التحكم من مقاطع الفيديو. ففي كثير من مقاطع اللعب، تظهر أزرار وحدة التحكم أو لوحة المفاتيح على الشاشة، وهي ميزة يستغلها النموذج لاستخلاص العلاقة بين ما يحدث بصريًا في اللعبة وبين الأزرار التي يضغطها اللاعب. بهذه الطريقة، يتعلم النظام الربط بين المشهد البصري والفعل المناسب دون الحاجة إلى أي تدخل يدوي مباشر.
بعد اكتمال مرحلة التدريب، أظهر NitroGen قدرة لافتة على التعامل مع ألعاب لم يسبق له التدريب عليها. في اختبارات متعددة، تمكن النموذج من بدء اللعب في ألعاب جديدة كليًا، وفهم أساسياتها العامة، مثل الحركة وتجنب المخاطر والتفاعل مع البيئة، دون الحاجة إلى أي تعديل مسبق. هذا النوع من الأداء يُعرف باسم “اللعب دون تدريب خاص”، وهو من التحديات الكبرى في أبحاث الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالألعاب.
كما أظهرت النتائج أن أداء النموذج يتحسن بشكل ملحوظ عند تزويده بكمية صغيرة جدًا من بيانات اللعب الخاصة بلعبة معينة. فبدلًا من البدء من الصفر، يستفيد NitroGen من معرفته العامة المكتسبة سابقًا، ويطوّعها بسرعة للتكيف مع متطلبات اللعبة الجديدة. هذا النهج يقلل بشكل كبير من الزمن والموارد اللازمة لتدريب أنظمة ذكاء اصطناعي جديدة.
من الناحية التقنية، يستند NitroGen إلى بنية شبكات عصبية متقدمة قادرة على معالجة الإشارات البصرية المعقدة وربطها بسلاسل من الأفعال الحركية. هذه البنية مستوحاة جزئيًا من نماذج طُوّرت سابقًا للتحكم في الروبوتات، حيث يتطلب الأمر فهم البيئة المحيطة واتخاذ قرارات دقيقة في الزمن الحقيقي. وقد جرى تكييف هذه المفاهيم لتناسب العوالم الافتراضية للألعاب.
ولأجل تسهيل اختبار النموذج عبر ألعاب متعددة، تم تطوير بيئة تشغيل موحدة تتيح للنظام التفاعل مع ألعاب مختلفة من خلال واجهة قياسية. هذه البيئة تجعل من الممكن تقييم أداء النموذج في سياقات متنوعة دون الحاجة إلى إعدادات خاصة لكل لعبة، وهو ما يسهم في تسريع البحث والمقارنة بين النتائج.
تؤكد NVIDIA أن الهدف من NitroGen لا يقتصر على تطوير “لاعب آلي” قادر على إبهار المستخدمين، بل يتجاوز ذلك إلى فهم أعمق لكيفية تعلّم الذكاء الاصطناعي من البشر. فالألعاب تُعد بيئات غنية ومعقدة تجمع بين التخطيط، ورد الفعل السريع، واتخاذ القرار تحت الضغط، وهي عناصر مشتركة مع كثير من التطبيقات الواقعية.
من هذا المنطلق، ترى الشركة أن الأبحاث المرتبطة بـ NitroGen قد تُستخدم مستقبلًا في مجالات أخرى، مثل تدريب الروبوتات في محاكيات افتراضية قبل نشرها في العالم الحقيقي، أو تحسين أنظمة القيادة الذاتية عبر بيئات محاكاة غنية، أو حتى تطوير أدوات مساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة تتيح لهم التفاعل مع الألعاب والتقنيات الرقمية بطرق أسهل.
كما يمكن الاستفادة من هذا النوع من النماذج في اختبار الألعاب أثناء مراحل التطوير، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي لعب المحتوى الجديد بشكل تلقائي واكتشاف الأخطاء أو المشكلات في التوازن أو الصعوبة، مما يوفر وقتًا وجهدًا كبيرين على فرق التطوير.
أحد الجوانب المهمة في مشروع NitroGen هو قرار NVIDIA إتاحته كمشروع مفتوح المصدر. هذا يعني أن الباحثين والمطورين حول العالم يمكنهم الاطلاع على تفاصيل النموذج، واستخدامه، وتعديله، والبناء عليه في أبحاثهم الخاصة. هذه الخطوة تعكس توجهًا متزايدًا في مجال الذكاء الاصطناعي نحو الشفافية والتعاون، وتسهم في تسريع وتيرة الابتكار.
إتاحة النموذج والبيانات المرتبطة به تساعد أيضًا على توحيد الجهود البحثية، حيث يمكن للفرق المختلفة مقارنة نتائجها باستخدام نفس الأساس، بدل العمل على نماذج مغلقة يصعب تقييمها أو إعادة إنتاج نتائجها. كما تفتح الباب أمام استخدامات تعليمية وأكاديمية، حيث يمكن للطلاب والباحثين دراسة نموذج واقعي ومتقدم في مجال التعلم من الملاحظة.
في المحصلة، يمثل NitroGen خطوة مهمة في مسار تطوير ذكاء اصطناعي أكثر مرونة وقدرة على التعميم. فهو يبرهن أن التعلم من البشر، ومن خلال الملاحظة فقط، يمكن أن ينتج أنظمة قادرة على التعامل مع تعقيدات كبيرة دون الحاجة إلى تعليمات صريحة لكل حالة. ورغم أن النموذج لا يزال في إطار البحث والتطوير، إلا أن نتائجه الحالية تشير إلى مستقبل يمكن فيه للذكاء الاصطناعي أن يتعلم ويتكيف بطرق أقرب إلى الطريقة البشرية.
بهذا الإعلان، تؤكد NVIDIA مرة أخرى موقعها في طليعة الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التطبيقي، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من النماذج التي لا تكتفي بفهم النصوص أو الصور، بل تمتد إلى فهم الأفعال واتخاذ القرار داخل عوالم تفاعلية معقدة مثل ألعاب الفيديو.
تعود ملكية الصور أدناه إلى المطور